جلسات العصف الذهني
كَثُر استخدام العصفِ الذهني في الآونة الأخيرة، لكنه يفقد بعض خصائصه إن تمّ في كل مكان. جلسات “العصف الذهني” عادة ما تعني التجمُّع في مكانٍ ما – قاعة اجتماعات/مؤتمرات مثلًا -، حيث يطلب منظّم الدعوة من الحضور إطلاق عنان أفكارهم وفي أسرع وقت بخصوص أمرٍ ما. يتم الضغط في عملية العصفِ الذهني ظنًّا بأن ذلك يجعلها أكثر كفاءة – في حين أن ذلك يُسفِرُ عن قتل الغرض الحقيقي من تلك العملية.
عملية العصف الذهني هي السماح بتألق الابتكار. نحتاج إلى أن نكون في غاية الحذر وعدم السماح للنقد الذي يخنق ذلك الابتكار. يجب دعم العملية الابتكارية، ورعايتها واحتضانها بإخلاص؛ لتحقيق نتائج جيدة. وتحقيقًا لتلك الغاية؛ وضعنا عشر قواعد للعصف الذهني، وهي قواعد عالمية للمساعدة في وضع إطار للخيال والابتكار.
اطبع نسخة من تلك القواعد وعلّقها على الحائط قبل أي جلسة عصف ذهني. أودُّ أيضًا أن اقترح عليك إحضار أداة تنبيه. ففي كل مرة يقوم شخص ما بكسر إحدى القواعد؛ قم بتشغيل التنبيه ليتوقف عما بدر منه. اجعل الفريق بأكمله مسؤولًا عن تطبيق القواعد واخضع الجميع للمُسائلة. اجعل القواعد غير قابلة للتفاوُض، وتأكد قبل أن تبدأوا بطرح أي عملية أو فكرة من أن جميع أفراد فريقك موافقين عليها.
1. غير مسموح بإلقاء الأحكام. عندما تبدأ الأفكار في التدفق؛ يجب أن تفعل كل ما في وسعك للسماح لمن معك بتدفّق أفكارهم. لا ينبغي السماح لأي شخص بتقديم أي حكم على أي فكرة. مرحلة توليد الفكرة هي خاصة بتوليد الأفكار، وليس ترتيبها. اسمح لهم فقط بتقديم ما لديهم قدر المُستطاع. سيكون هناك الكثير من الوقت لتقييمها في وقتٍ لاحق.
2. غير مسموح بالتعليق. حتى لو كان من يجلس بجوارك طرح فكرة غبية سمعتها من قبل؛ عليك حينئذ بتمريرها والسماح باستمرار عملية العصف الذهني. إن أدنى تعليق أو انتقاد سيغير المزاج، وستتصدى المجموعة ككل. الهدف هو جلب الأفكار، وليس مناقشاتها. التعليق الوحيد المقبول هنا هو أن تقول “رائع”/”ممتاز”/”جيد”/”جميل”، وهكذا.
3. غير مسموح بالتحرير والتدقيق. لا تدع المحرر الذاتي بداخلك أن ينضم إلى الاجتماع. عندما تبدأ العصف الذهني لا يهُم أين اختفت الفاصلة في جملةٍ ما، أو كيف أنتقي الكلمات. فإن اختيار نوع الخط، والألوان، واسم الفكرة، كل ذلك ليس له صلة بالموضوع. التحرير هو نشاط الجزء الأيسر من الدماغ وهو عمل منفصل تمامًا عن توليد الفكرة. قم بالعمل على هذا النحو. أولًا، دع الأفكار تخرج من رأسك، وإن كانت في هيئة رثّة وغير مأهولة. سيكون لديك فُرَص لتحريرها لاحقًا.
4. غير مسموح بالتفكير في التنفيذ. بمجرد أن تأتيك فكرة؛ فإنك تنصرف عنها بسبب التفكير في التنفيذ. قد تتساءل: كيف يمكن تطبيق الفكرة على أرض الواقع؟ كم ستكلفنا؟ من سيقوم بتنفيذها؟ وما هي الخطة؟ وما العوائد المالية المتوقعة؟ وأين مكان بدء التنفيذ؟ ومتى سنبدأ؟ كلها أسئلة رائعة، لكن تجنّبها في تلك المرحلة، واطرحها في وقتٍ لاحق. يجمع الجزء الأيسر من دماغك كل مجده وطاقته للتسلُّلِ والتنافس حتى يحصل على الجزء الأكبر من تفكيرك. وبقدر أهمية مثل ذلك التفكير والحاجة إليه؛ فإنه سُرعان ما يسحق التفكير الابتكاري. لذلك، ابقه خارج الغرفة.
5. غير مسموح بالقلق. الخوف هو أكبر عائق للابتكار. إنه يقصف عقولنا منذ الطفولة. تعلّمنا في المدرسة أن هناك دومًا إجابة صحيحة واحدة ويجب تجنُّب الأخطاء بأي ثمن. نحتاج إلى الإفراج عن ذلك الخوف لعدم إبطال قدراتك الابتكارية الحقيقية. إذا كنت تقود فريقًا؛ فتأكد من قيامك بذلك قبل البدء. أخبر الزملاء أن كل فكرة هي ذات أهمية وأن الهدف من تلك العملية هو الحصول في ذلك الاجتماع على الكثير من الأفكار. هيّئ العقول بحيث يشعر الجميع بالراحة في تحمُّلِ المخاطر وعدم خوفهم من الحرج أو العواقب السلبية. مكّن الآخرين من الإفراج عن مخاوفهم؛ لكي يطلقوا عنان عقليتهم الابتكارية وتفنُّن التفكير.
6. غير مسموح بالتطلُّعِ إلى الماضي. يمكننا تعلُّم الكثير من الماضي، لكن يمكن أن يتسبب ذلك أيضًا في الحدِّ من قدرتنا على صناعة المستقبل. يُكبَح جماح الفكرة لأننا حاولنا تنفيذها مرة من قبل ولم ننجح على النحو المأمول، هذا يحدّ من التفكير السليم بشكلٍ كبير. فكّر في مدى تغيُّر العالم كل يوم. فكّر بأن اليوم يأتي معه عالم من الظروف والتغيُّرات الجديدة في السوق، والتقنيات، وأذواق العملاء. إن لم تنجح الفكرة في الماضي؛ ربما كانت فقط سابقة لأوانها. ولعلَّ تلك الفكرة، عند إعادة النظر فيها؛ ستؤدي إلى صيغة مُنقَّحَة تسمح بنجاحها اليوم. كل فكرة ترد بخاطرك هي جديدة في لحظة ورودها إلى عقلك، لذلك شاركها مع من حولك، فهي تستحق.
7. غير مسموح بفقدان التركيز. يمكن لجلسات العصفِ الذهني أن تتحوّل إلى جلسات حيرة. لا تدع ذلك يحدث. قد تذكرك الفكرة بقصة شخص ما وتسردها في الجلسة. أو قد يؤدي ذلك إلى مواجهة تحدّي ابتكاري مختلف، أو إلى مناقشة موضوع يختلف تمامًا عن موضوع الجلسة.
الحالة الابتكارية للجزء الأيمن من الدماغ في غاية الندرة، ومُنعشة بحيث أن طاقتها وإثارتها يمكن أن تتسبب في اضطراب الفريق. لحل تلك المشكلة، استخدم دومًا ما يمكن تسميته بقائمة أماكن الانتظار. فعندما تأتي مواضيع لا علاقة لها بالموضوع؛ ضعها في قائمة أماكن الانتظار لمناقشتها في وقتٍ لاحق. وهذا سيُحافظ على تركيز المجموعة على المهمة في الوقت المخصص مع ما يضمن لهم أن المفاهيم الهامة التي تذكروها ستحظى بالاهتمام فيما بعد.
8. غير مسموح باستنزاف الطاقة. هناك نوعان من البشر، إمَّا مُحفِّزون وإمَّا مُستنزِفون. عندما تعمل مع مُحفّز؛ تشعر بالنشاط، وتستشعر طاقتك. وهو مثالي للتعبير الابتكاري. المستنزفون يسلبون طاقتك. حتى وإن شربت ستة أكوابًا من القهوة الإسبرسو، ستشعر بأنك تريد أن تغفو بعد التحدث معهم لخمس دقائق فقط. الأمر تمامًا كما تدير وقتك أو مالك، فإنك بحاجةٍ أيضًا إلى إدارة طاقتك. النشاط الذي بغرفة الاجتماع يمكن إيجادها، بإطلاق العنان للأفكار العبقرية مما يجعل الجميع يحظون بأوقاتٍ رائعة خلال الجلسة، وإلا فمن الممكن أن تتحوّل إلى جلسة مملة، فتجد من يتحقق هاتفه، ومن يراقب عقارب الساعة منتظرًا انتهاء الاجتماع. ابذل كل ما بوسعك للحفاظ على الطاقة والنشاط. شجّعهم وصافحهم، اهتف وزد من المشاعر الإيجابية للجميع. لا تسمح للسلبية واستنزاف الطاقة بامتصاص الحماس من الغرفة.
9. غير مسموح بالمقارنة. مقارنة الأفكار هو شكل ماكر من أشكال النقد التي تحتاج إلى صدها ومنعها كما هو الحال مع بقية العادات الأخرى للجزء الأيسر من الدماغ. المقارنة غالبًا ما تحتوي على النقد الضمني. فإن قيل “إنها تشبه فكرة جيم التي ذكرها في العام الماضي”، قد تبدو عبارة غير مؤذية، لكنها ليست كذلك إذا كان الجميع يكره جيم.
10. غير مسموح بالسخرية على حساب الآخرين. يمكن أن يصبح العصف الذّهني في غاية المرح، وأنه من المُغري لبدء المزاح حول ما تأتي من أفكار. لكن قاومه. الضحك على حساب الفكرة هو وسيلة سريعة للقضاء عليها.
اتبع تلك القواعد بحزمٍ لمنع جلسات العصفِ الذهني من إضاعة الوقت فيها وما يؤدي إلى إنتاج الفريق لأفكار غير آمنة – وعديمة الفائدة – كما كان في المرات السابقة. العصف الذهني نشاط مفيد للغاية، فقط إذا تم استخدامه بشكلٍ صحيح.